تقنيات الفضاء واستخداماتها: أهم الابتكارات التي غزت بها ناسا حياتنا اليوميّة

مع أوّل رحلة فضائية بدأ علماء ناسا في العمل الجاد لاستكشاف الفضاء، واستغلال موارده، والذي حتّم تطوير تقنيات الفضاء لتحقيق التّقدّم في هذا المجال والمنافسة فيه. وهذا ما أدّى لعديد من الابتكارات التي غزت حياتنا اليوميّة، فهل فكّرت يوما في أنّك تستعمل شيئا اكتشف أساسا لأغراض فضائية؟

جدول المحتويات

مكانس لاسلكية (The Dustbuster)

مقياس الحرارة بالأشعة تحت الحمراء

فلاتر المياه

كاشف الدخان

الفضائيات

تجميد الطعام المجفف

سماعات لاسلكية

كاميرات الهواتف

                      صورة تقنيات الفضاء: قمر اصطناعي يدور حول الأرض صورة توليد بالذكاء الاصطناعي (lexica)

أهم الابتكارات التي غزت بها ناسا حياتنا اليوميّة

في هذا المقال جمعت لك عددا من التّقنيات التي كانت نتيجة أبحاث ناسا والتي سهّلت حياتنا اليوم تابع معي.

مكانس لاسلكية (The Dustbuster)

 في سبعينيات القرن العشرين، كان روّاد فضاء أبولو ناسا مشغولين بأخذ عيّنات من قشرة القمر لإرسالها إلى الأرض. ولم يكن لديهم مشكلة في جمع الغبار من السطح. ولكن للحصول على صورة أفضل للتّربة القمرية، احتاجوا إلى تصميم مثقاب جديد. لاستعادة العيّنات الأساسية يجب أن تكون الآلة الجديدة صغيرة وخفيفة الوزن لتناسب مركبة الهبوط القمرية، ويجب أن يكون لها مصدر طاقة خاص بها.

استأجرت ناسا بلاك آند ديكر(Black&decker) لإنشاء الأداة، وطوّرت الشركة برنامج كمبيوتر لتحسين تصميم المثقاب. انتهى الأمر بنجاح كبير لدرجة أن الشّركة استمرّت في استخدام البرنامج في المنتجات الاستهلاكية الجديدة. 

في عام 1979، أطلقوا Dustbuster وهي مكنسة كهربائية لاسلكية وخفيفة الوزن ومحمولة باليد مبنية على نفس مبادئ حفر القمر. كانت تزن رطلين فقط وإعادة شحن بطارياتها في قوس الشحن الخاص بها. كما طوّرت (Black & Decker) أيضا أدوات كهربائية لاسلكية، وأدوات لتقليم العشب، وأجهزة طبيّة تعتمد على تقنية  Dustbuster أيضا.

                             من تقنيات الفضاء (The Dustbuster): صورة امرأة تستعمل مكنسة لاسلكية صورة توليد بالذكاء الاصطناعي (lexica)

مقياس الحرارة بالأشعة تحت الحمراء

حين يمرض طفلك وترتفع حرارته لاشك أنّك تستعمل مقياسا لدرجة الحرارة لتقيسها له، لكن هل فكّرت يوما أنّ ذلك المقياس لم يكن ليوجد لولا تقنيات الفضاء؟

بدعم من برنامج الشّركات التّابعة للتّكنولوجيا التابع لناسا. طوّرت شركة Diatek مقياس حرارة سمعي خفيف الوزن يقيس كمية الطاقة المنبعثة من طبلة الأذن عبر نفس تقنية الأشعة تحت الحمراء التي يستخدمها علماء الفلك لقياس درجة حرارة النجوم والكواكب. بالإضافة إلى كونه دقيقا للغاية، يتجنّب مقياس الحرارة ملامسة الأغشية المخاطية، مما يلغي إمكانية انتقال العدوى.

                                          من تقنيات الفضاء (مقياس الحرارة): طبيبة تقوم بقياس حرارة طفلة صورة من تطبيق كانفا

فلاتر المياه

هل سبق وفكّرت ماذا يشرب روّاد الفضاء عندما يطفون في الفضاء؟ حسنا يحتاج الإنسان العادي إلى حوالى 3.5 لتر من الماء يوميا، تخيّل معي رحلة تضم 6 من روّاد الفضاء طوال الرّحلة كم سيحتاجون من مياه؟ 

كل كيلوغرام من الماء المنقول مكلّف، وهذا ما قاد ناسا للبحث في هذا المجال حيث فكّرت في أنّها ستحتاج كميّات كبيرة من المياه إلى البقاء غير ملوثة لفترات طويلة من الزّمن. ولهذا فكّرت ناسا في حلول وهي مرشّحات المياه أو ماتسمّى بالفلاتر.

كانت مرشحات المياه الأساسية موجودة منذ منتصف خمسينيات القرن العشرين، لكنّ ناسا استثمرت الموارد في أبحاثها لبرنامج أبولو في عام 1963 وأوجدت أنظمة التّرشيح الحديثة. 

طوّرت ناسا نظام المرشّحات الذي يعمل من خلال الاستفادة من قدرة الفحم على امتصاص الملوثات والجسيمات الموجودة داخل الماء عند معالجتها بشكل خاص. 

هذه المعالجة (هي في الأساس عملية أكسدة تفتح ملايين المسام الصغيرة بين ذرات الكربون في الفحم) ضخّمت قابلية امتصاص الفحم. والتي بمساحة سطحها الكبيرة المسامية وفّرت العديد من المواقع للملوثات لترتبط بها كيميائيا من خلال الجذب. هذا ترك الماء النّاتج خاليا من الشّوائب.

                             من تقنيات الفضاء(الفلاتر): نظام لمرشّحات المياه صورة توليد بالذكاء الاصطناعي (lexica)

كاشف الحرائق 

نجد اليوم كاشف الحرائق في كلّ مكان، المرافق العمومية والمدارس والمنازل وغيرها. لم يكن الكاشف الذي اخترعه فرانسيس روبنز أبتون في عام 1890 قابلا للتّعديل، حتى اخترعت ناسا نموذجا بحساسية متغيرة في عام 1973. تم تركيب الوحدات على Skylab للكشف عن الأبخرة السّامة على متن الطائرة. 

يعمل النّموذج الذي اخترعته ناسا من خلال التأيّن. وهي عملية تتضمن استخدام كمية صغيرة من النّظير المشع americium-241 لتأيّن ذرات الأكسجين والنيتروجين في غرفة الهواء المدمجة في الكاشف، والتي تعلوها وتحتها لوحان معدنيّان متصلان بالبطاريّة. 

أثناء حدوث التأيّن، تنجذب الإلكترونات المحرّرة إلى اللوحة بلوحة جهد موجب والذرات الخالية من الإلكترون إلى لوحة الجهد السالب، مما يخلق تيارا كهربائيا. وعندما تدخل جزيئات الدخان من النار إلى غرفة الهواء، فإنها تعطل التيّار لأنها تلتصق بالأيونات وتحيدها. يستشعر كاشف الحرائق انخفاض التيار ويطلق الإنذار.

                             عامل صيانة يتفقّد جهاز كاشف الحرائق صورة من تطبيق كانفا

الفضائيات

التّكنولوجيا الأكثر جدلا على مرّ التّاريخ بالنّسبة لي على الأقل، نعم إنّها الفضائيات. لابأس لنرجع قليلا إلى تاريخ أوّل قمر صناعي قادر على نقل الإشارات التلفزيونية؟ إنه قمر Telstar 1 والذي تم إطلاقه في عام 1962.

 وكان مشروعا مشتركا لتطوير نظام اتصالات ساتلي تجريبي فوق المحيط الأطلسي. تم بناء القمر الصناعي من قبل مختبرات بيل بالشراكة مع وكالة ناسا. عمل هذا القمر الصناعي باستخدام جهاز إرسال واستقبال لنقل البيانات. 

واستقبل إشارات الموجات الصغرية من خلال مجموعة متعددة الاتجاهات من الهوائيات الصغيرة قبل رفع مستوى وتضخيم تردد الإشارة في أنبوب موجة متنقلة وإعادة الإرسال إلى الأرض. 

واصلت ناسا تطوير هذه التكنولوجيا، وإنتاج أنظمة أكثر تقدما لتقليل الأخطاء في الإشارات المرسلة، ممّا أدّى إلى القدرة على نقل الفيديو والصوت عالي الدقة.

   شخص يرتدي زي رائد فضاء يستلقي على الأريكة ويشاهد التلفزيون توليد بالذكاء الاصطناعي (lexica)

تجميد الطعام المجفّف

على الرّغم من أن ناسا لم تخترع فكرة الطعام المجفّف بالتّجميد، إلا أنّها أحد الأسباب الرئيسّة لانطلاق هذه التّكنولوجيا. في ستينيات القرن العشرين، بدأت ناسا تطوير الغذاء الفضائي لروّاد الفضاء. إذ كان جلّ تفكيرها أن يكون الطّعام مغذّيا، ولكن أيضا خفيف الوزن ومستقرّا على الرف وسهل الأكل في الفضاء.

ممّا يعني عدم وجود فتات يمكن أن يطير ويسد المُعدّات الحسّاسة.وفي النّهاية ذهبت إلى مختبرات Natick والتي كانت تعمل على وجبات مجفّفة بالتجميد للجيش. 

طوّر المختبر منتجا يتطلب غليان الماء والانتظار لمدة 20 دقيقة حتى يصبح الطّعام صالحا للأكل. احتاجت ناسا إلى منتج يمكن إعادة تشكيله في 10 دقائق بماء بدرجة حرارة الغرفة. وتحت تمويل ناسا وتوجيهها، أصبح ذلك حقيقة واقعة.

بينما استمرّ مختبر الأغذية في تجربة عناصر مختلفة مجفّفة بالتجميد لروّاد الفضاء، قامت ناسا بترخيص التكنولوجيا لوكالات حكومية أخرى. في منتصف سبعينيّات القرن العشرين، أطلقت منظمات تكساس برنامجا لتوفير وجبات مغذية مجفّفة بالتجميد. تعتمد على تقنية ناسا للمقيمين المسنّين، وفي نيويورك، طوّرت شركة تسمى Sky-Lab Foods وجبات مجفّفة بالتّجميد لكبار السن أيضا.

                            فاكهة مجففة ومجمّدة صورة من تطبيق كانفا

سمّاعات لاسلكية

فيما سبق كنت أتضايق بشدّة من السماعات والفأرة السّلكيتان. أمّا اليوم وبفضل تقنيات الفضاء أستمتع بتجربة لم أكن أتخيّل يوما أنّني سأشهدها وهي السماعات الاسلكية ستتحقّق وهذا بفضل ناسا طبعا.  

طوّرت ناسا سماعات رأس لاسلكية للسّماح لروّاد الفضاء بالتّواصل بدون استخدام اليدين وبدون أسلاك، وفقا لمختبر الدفع النفاث. الآن يساعدون غير رواد الفضاء على التشويش لاسلكيا.

                                  صورة سماعات لاسلكية وهاتف فوق كمبيوتر محمول من تطبيق كانفا

كاميرات الهواتف

لطالما كان تصوير المركبات الفضائية يمثل تحديّا، لكن ظهور التّصوير الرقمي ساعد في إزالة العديد من الحواجز التي واجهها العلماء في البداية. 

استخدمت ناسا شيئا يسمى التصوير بجهاز مقترن بالشحن في ثمانينيات القرن العشرين، والتي شكّلت أساس الكاميرات الرقمية. تم تحسين تقنية CCD من قبل المهندس إريك فوسوم، الذي عمل في مختبر الدفع النفاث التابع لناسا من باسادينا، كاليفورنيا. كان فوسوم يعتبر خبيرا في أنظمة CCD، وأدى عمله لتحسين استهلاك الطاقة العالي وكفاءة نقل الشحن العالية إلى تقنية تصوير جديدة تماما

تمّ ترخيص التكنولوجيا الجديدة، التي تسمى مستشعر صور أشباه الموصلات المعدنية التكميلية (CMOS)، من قبل Kodak و Intel و AT&T. انتهى الأمر ب Fossum والعديد من زملائه أيضا بترخيص التكنولوجيا وتركوا ناسا لتشكيل شركتهم الخاصة، Photobit، لمواصلة تطوير وتحسين تقنية CMOS. 

انتهى الأمر بمستشعرات CMOS في كاميرات DSLR والأشعة السينية للأسنان و GoPros،  لكن الهواتف المحمولة هي المكان الذي انطلقت فيه تقنية التصوير الفوتوغرافي الصغيرة.

كما هو الحال في استكشاف الفضاء، طالب مصنعو الهواتف المحمولة بأحجام كاميرات صغيرة واستهلاك منخفض للطاقة، وهما شيئان كانت أجهزة استشعار CMOS تعمل بالفعل من أجلهم.

                                               صورة هاتف ذكي تظهر كاميراته الخلفيّة من تطبيق كانفا

ما هي ميزانية البحث والاستثمار في تقنيات الفضاء؟

نظرا لأهميّة تقنيات الفضاء تخّصص الدّول ميزانية كبيرة للإستثمار والبحث في هذا المجال. ففي عام 2022، سجل الإنفاق الحكومي العالمي على برامج الفضاء رقما قياسيا بلغ حوالي 103 مليار دولار أمريكي. 

أنفقت حكومة الولايات المتحدة وحدها ما يقارب من 62 مليار دولار أمريكي على برامجها الفضائية مما يجعلها الدّولة ذات أعلى إنفاق فضائي في العالم. تبعت الولايات المتحدة الصين، حيث بلغ الإنفاق الحكومي على برامج الفضاء ما يقرب من 12 مليار دولار أمريكي.

إنّ هذه الميزانيات المقدّمة من الدّول للاستثمار هي السّبب في إيجاد هكذا ابتكارات سهّلت حياتنا اليومية، في ما يزال هناك الكثير من الابتكارات الأخرى في المجال الطّبي والصّناعي وإجراءات السّلامة وغيرها.

إذن بعد قراءتك لهذا المقال هل تفكّر في شكر وكالة ناسا وتعظيم جهودها وهي التي تسعى حرفيّا لوضع العالم بين يديك؟ أم أنك تريد معرفة ابتكارات أخرى لها لتفعل ذلك؟ أخبرنا في التّعليقات.

اترك تعليقاً